2024-02-24
لماذا يموت شباب في عمر الزهور؟
(فقرة كتابية عن السماء)
للإجابة على هذا السؤال
ولكي نفهم حكمة الله في موت الصفوة من شباب هذا الجيل..
ولنفهم الرسالة الموجهة لنا نحن الأحياء الباقين..
نقرأ الآيات الآتية:
(من سفر الحكمة 4 : 7 - 20)
7 أما الصديق؛ فإنه وإن تعجله الموت، يستقر في الراحة.
8 لأن الشيخوخة المكرمة ليست هي القديمة الأيام، ولا هي تقدر بعدد السنين.
9 ولكن شيب الإنسان هو الفطنة، وسن الشيخوخة هي الحياة المنزهة عن العيب.
10 إنه كان مرضيا لله فأحبه، وكان يعيش بين الخطأة فنقله.
11 خطفه لكي لا يغير الشر عقله، ولا يطغي الغش نفسه.
12 لأن سحر الأباطيل يغشي الخير، ودوار الشهوة يطيش العقل السليم.
13 قد بلغ الكمال في أيام قليلة؛ فكان مستوفيا سنين كثيرة.
14 وإذ كانت نفسه مرضية للرب؛ فقد أخرج سريعا من بين الشرور. أما الشعوب فأبصروا ولم يفقهوا ولم يجعلوا هذا في قلوبهم:
15 أن نعمته ورحمته لمختاريه، وافتقاده لقديسيه.
16 لكن الصديق الذي قد مات يحكم على المنافقين الباقين بعده، والشبيبة السريعة الكمال تحكم على شيخوخة الأثيم الكثيرة السنين.
17 فإنهم يبصرون موت الحكيم، ولا يفقهون ماذا أراد الرب به، ولماذا نقله إلى عصمته.
18 يبصرون ويزدرون، والرب يستهزئ بهم.
19 سيسقطون من بعد سقوطا مهينا، ويكونون عارا بين الأموات مدى الدهور. فإنه يحطمهم وهم مبلسون مطرقون، ويقتلعهم من الأسس، ويتم خرابهم؛ فيكونون في العذاب وذكرهم يهلك.
20 يتقدمون فزعين من تذكر خطاياهم، وآثامهم تحجهم في وجوههم.
والمجد لله دائماً
تفسير الموسوعة الكنسية (أبونا داود لمعي):
ع7: ثم يعود فيتحدث عن البار من جهة موته وتركه لهذا العالم، فالناس يظنون أن البركة في كثرة السنين على الأرض، ولكن يُلاحظ أن الأبرار يموتون أحيانًا في سن صغير، ويطمئننا هنا الله أنه بالموت يتركون عالم الأتعاب؛ ليدخلوا في الراحة الأبدية الدائمة ويستقروا فيها.
ع8، 9: الفطنة: الحكمة.
المنزهة : المترفعة والخالية.
ويبرر ما جاء في الآية السابقة، بأن الشيخوخة المكرمة العظيمة ليست، كما يظن الناس، في كثرة السنين، بل في البر والحياة مع الله، وقد يكون شابًا من جهة السن، وله وقار الشيوخ في الحكمة التي اكتسبها من الله، وعلى العكس، قد يوجد ما يسمى شيخًا لطول عمره، ويكون جاهلًا بعيدًا عن كل حكمة، فالمهم هو الحكمة، فمن يسلك بها سواء مات شابًا، أو شيخًا، فله كرامته وعظمته أمام الله والناس. فينبغى أن يطلب الإنسان الحكمة، فيكون قدوة لغيره، ويتتلمذ على يديه الكثيرون، سواء في سنه المبكر، أو بالأكثر لو صار شيخًا. أما الجاهل فالابتعاد عنه نعمة كبيرة، سواء كان شابًا، أو بالأكثر إذا كان شيخًا. والله قادر أن يساعد أولاده المتكلين عليه، فيحققون في سنوات قليلة ما لا يستطيع أن يحققه الشيوخ البعيدون عن الله.
لا تنزعج إذا حرمت من بعض الراحة والبركات المادية، وحلت عليك التجارب، فإنك من خلالها تختبر علاقة أعمق مع الله وراحة روحية مستقرة. وإذ تتهذب بكثرة التجارب، واختبار الله، لا تعود تخاف الموت إن أتى سريعًا، بل تقبله برضا وفرح، مثلما اشتهاه بولس الرسول "لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23).
ع 10 ، 11: يطغى: يسيطر، ويفسد.
إن هذه الكلمات تحدثنا عن الصديق أخنوخ، "سار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك5: 24)، فانتقل صغيرًا عن كل آبائه وأبنائه، ولكنه تميز عنهم إذ يحيا بجسده حتى الآن في السماء، فالله خطفه في سن صغير؛ حتى لا يتأثر بالشر المحيط به، أو يفسد عقله ونفسه، ويبعده عن الله، وهذا ما أكده أشعياء النبى: "من وجه الشر يُضم الصديق" (أش57: 1).
ومن نعم الله على أولاده، أنه إذا رأى أمانتهم وتمسكهم بالوصية وسط الأشرار الذين يقاومونهم، يكللهم على جهادهم هذا، بانتشالهم من بين الخطاة على الأرض، أي بالموت؛ ليتمتعوا بالراحة بين أحضانه في السماء. فيوحنا المعمدان وكل الشهداء الذين قدموا حياتهم في سن صغير، كان الموت طريقهم للراحة الحقيقية في السماء، فانتقلوا بالموت إلى حياة أفضل.
إن طريقك إلى البر هو أن ترضى الله في كل أفكارك وكلامك وأعمالك، فتتمتع برعايته ومحبته التي تدفعك لمزيد من إرضائه، إذ تجد سعادتك في تنفيذ وصاياه؛ لأنك تشعر بمعيته في كلامه الذي تحيا به، وحينئذ تشتاق للوجود الدائم معه في السماء بنزع هذا الجسد الثقيل، فينعم عليك الله بالاستقرار في الراحة.
ع12: يغشى: يغطى.
دوار الشهوة: دوار، أي دوران سريع يفقد الإنسان اتزانه. دوار الشهوة هو انهماك الإنسان في الشهوة؛ حتى يفقد اتزانه كإنسان عاقل.
+ يطيش: ينحرف به، ويبعده عن هدفه.
إن أباطيل العالم، وهي مباهجه الزائلة، من مركز ومال وكل ما يغرى من أمور العالم، تجذب الناس وتشغلهم عن عمل الخير، أي تغطى ذهنهم بأمور كثيرة زائلة، فيبتعدون عن الله، وهم يجرون وراء هذه الأباطيل، وتسيطر عليهم، فيفقدون اتزانهم، مثل من يسقط في الخطية، ويجد نفسه يدور ويسقط ثانية في الشهوة وينغمس في لذتها، ويفقد عقله وتمييزه للخطأ والصواب، فيطيش عقله، ويستعبد نفسه لشهوات كان لا يرضى بها قبلًا.
ع13: إن الله يعين البار ليحقق في حياة قصيرة كل الكمال الذي يرجوه، وهكذا يكون مستحقًا لأمجاد السماء. وفى عمر قصير يحقق أكثر مما يحققه غيره في عمر طويل.
ع14: يفقهوا: يعلموا.
إن هذا البار أرضى الرب بأعماله وبحياته، وكان الأشرار محيطين به من كل جانب، فأشفق الله عليه، وأخرجه من وسطهم بالموت، فانتقل إلى حياة الراحة الأبدية. لكن للأسف لم يفهم الأشرار حكمة الله؛ ليتوبوا، ويسعوا نحو الكمال، ويستعدوا للسماء.
ع15: إن الله يميز أولاده الذين يطيعون وصاياه بمعونة ونعمة خاصة، وتفيض عليهم رحمته؛ لأنهم إن أخطأوا يتوبون، فهو يسرع إليهم بتعزيته، ويفتقدهم في وقت ضيقهم؛ ليخلصهم من أتعابهم.
ما أعظم هذا الرجاء في قلوب أولاد الله، يطمئنون لمحبة الرب لهم؛ لأنه هو أبوهم السماوى، ويخصهم بمحبته، فلا يعودوا ينزعجون من أية ضيقات، بل يشكرون، ويسعدون، ويتمتعون ببركاته كل حين.
إنها دعوة لك يا أخى للخروج من شقاء العالم، وسلوك الأشرار؛ لتكون من خاصة الرب بالإيمان، والتوبة، وحفظ وصاياه، فتحيا في سعادة دائمة.
ع16: الشبيبة: الشباب، أي السن المبكرة.
ومن بركات الله على أولاده، ليس فقط أن يسعدهم في حياتهم على الأرض، وفى الأبدية، لكن يمتد أثرها بعد موتهم على الأشرار الذين في العالم، فقداستهم تدين أشر الأشرار، الذين عاشوا في نفس ظروفهم حتى سن الشيخوخة، ولكن سلكوا في الشر، بينما عاش الأبرار مع الله. فما هى حجة الأشرار أمام الله؟
إن الصديق الذي سلك بالكمال ومات سريعًا عظة لنا جميعًا؛ لنقتدى به، ونترك خطايانا وتهاوننا. كم من الفضائل تعلمت من حياة الذين رحلوا أمام عينيك؟ إن الله سيحاسبك بسبب كل هؤلاء. لماذا لم تتعلم منهم؟
ع17: عصمته: حضرته في الأبدية حيث لا يخطئ الإنسان.
عندما ينظر الأشرار موت البار، وهو الإنسان الحكيم، إذ يموت في سن مبكر، لا يفهمون أن هذه نعمة من الله، أنه انتشل البار من بين شرورهم، ليكمل حياته البارة في الأبدية.
ويظن الأشرار أنه لا فائدة من بر الأبرار، فقد ماتوا سريعًا، أما هم فإنهم يحيون منغمسين في شهواتهم الشريرة، ويتوهمون أن هذا خيرًا، وينسون أن مصيرهم هو الهلاك، وأن حياة البار تدينهم، كما ذكرنا في الآية السابقة.
لماذا لا تفهم يا أخى مقاصد الله من الأحداث المحيطة بك. إن كل شيء يحدثك عن الله لعلك تتوب، وترجع إليه، وتحبه، فتتمتع بعشرته، وتحيا معه إلى الأبد.
ع18: يزدرون: يحتقرون.
يتمادى الأشرار في شرهم، فيحكمون أحكامًا خاطئة على أحداث الحياة، ويصفون موت الصديق بالجهل، إذ تمادى في العبادة والخدمة، ولم يستفد شيئًا؛ لأنه مات بعد أن حرم نفسه من التمتع بشهوات العالم مثلهم. وهكذا يتمادون منهمكين في شهواتهم، والرب من السموات يستهزئ بجهلهم، كما سيظهر في الآية التالية.
ع19: مبلسون: حزانى.
مطرقون : مطأطئون الرؤوس، أي أن رؤوسهم ناظرة إلى أسفل في خزى.
ولا ينظر هؤلاء الأشرار بعد حياتهم الفاسدة إلا سقوطًا في العذاب الأبدي، فيظهر خزيهم بين الأبرار، ولكن لا مكان بعد للندم، أو الإصلاح، وهكذا يكونون مبلسين، أي حزانى، يائسين، يطأطئون رؤوسهم في خزى (مطرقين)؛ لأن الموت قد اقتلعهم من شهواتهم، وأفكارهم الردية لم تنفعهم. وحتى ذكرهم عند الأحياء يكون عارًا، ويخزى الأشرار الذين يسلكون مثلهم، إذ يظهر فزعهم ساعة الموت، وعدم انتفاعهم من كل خطاياهم. ومثال ذلك ما حدث مع آخاب الملك، وإيزابل امرأته، إذ ماتا ولحست الكلاب دمائهما، كعقاب لما فعلا بنابوت اليزرعيلى الذي قتلاه (1 مل22: 38؛ 2 مل9: 36). وأيضًا يهوياقيم الملك الشرير مات ميتة حقيرة، إذ ألقى جسده كحمار (أر22: 19؛ 36: 30). وهامان الذي تكبر جدًا، مات مصلوبًا بنفس الطريقة التي أراد أن يقتل بها مردخاى (أس7: 10).
ع20: تحجهم: تعطيهم حجة، أو دليل.
ويحيون في العذاب الأبدي في فزع دائم، ويتقدمون من خوف إلى خوف، ويستد فمهم، إذ أن آثامهم تشهد عليهم، فهي حجة قوية ضدهم.
† إن كل كلمة بطالة سنعطى عنها حسابًا يوم الدين. فتذكر الموت، وتب وحاسب نفسك. إحزن اليوم على خطاياك بالتوبة تخلص من الحزن الأبدي،
"طوبى للحزانى لأنهم يتعزون" (مت5: 4).
** لا توجد تعليقات على هذه الفكرة..